الإسلام و العنصرية. كيف حارب الإسلام العنصرية؟
لقد برهنت
الأحداث العنصرية التي تعيشها أمريكا
اليوم، و سائر دول '' الغرب المتحضر'' على ضعف القوانين و المواثيق الدولية و
الإقليمية و المحلية. ذلك أن الإيمان بفكرة الاختلاف بين البشر يجب أن ينبني على عقيدة مترسخة، تظهر
ثمارها من خلال الممارسة العملية. و إذا بحثنا في تاريخ القوانين و التشريعات
البشرية، لن نجد قانونا أو تشريعا أسس لقيم العدل و السلم و التعايش مثل ما نجده
في الشريعة الإسلامية. فكيف كرم الإسلام الإنسان؟ و كيف حارب العنصرية؟
تكريم الإسلام للإنسان
إن الصفة
الغالبة على مخلوقات الله تعالى هي الدقة و الإتقان، فهو القائل جل جلاله:
﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل:88].
﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل:88].
و قد اصطفى
الخالق عز و جل من بين هذه المخلوقات التي أتقن صنعها الإنسان، ليكون خليفة له في
هذه الأرض. بل جعل صنوف المخلوقات الأخرى تعنو له، وتعترف بفضل الكائن البشري
عليها.
و قد أشار
القرآن الكريم إلى تكريم الإنسان في مواضع عدة و بطرائق متنوعة.
و في مقدمة هذه الآيات نجد قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا
بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ
الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾[الإسراء:70]
كيف حارب الإسلام العنصرية؟
إن قضية التمييز
العنصري قضية قديمة شهدتها البشرية منذ أزمنة بعيدة. و التمييز العنصري لا يقتصر
على اللون فقط، بل يشمل المفاضلة بين الناس على أسس أخرى، مثل العرق، أو الجنس، أو
الانتماء الديني، أو الانتماء القبَلي... و غيرها من أشكال التفريق بين البشر.
و قد كانت
الشريعة الإسلامية سباقة منذ أربعة عشر قرنا إلى محاربة جميع أشكال التمييز
العنصري من خلال أحكامها العادلة، قبل صدور ما تعارف عليه الناس اليوم من قوانين و
مواثيق حقوق الإنسان الدولية و الإقليمية.
و من بين مظاهر
محاربة الإسلام للعنصرية و التمييز على أساس اللون، أو الجنس، أو العرق، نذكر ما
يأتي:
ــ
جعل معيار التفاضل بين جميع الناس التقوى، حيث قال تعالى في سورة الحجرات: ﴿ يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌا ﴾ [الحجرات:18]
ــ
الدعوة إلى تحرير العبيد و عتق الرقاب، و اعتباره عملا يتقرب به الإنسان إلى ربه.
ــ
وضع الرسول صلى الله عليه و سلم أول ميثاق في تاريخ البشرية ينظم العلاقة بين
المواطنين في بلد واحد، رغم اختلاف عقائدهم و ألوانهم و أعراقهم، و هو ما سمي
بميثاق المدينة.
ــ
الحث على العدل بين الجنسين و عدم التفريق بين المرأة و الرجل في المعاملة؛ حيث
قال عليه الصلاة و السلام في
الحديث الصحيح:«إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ».
و إذا أردنا سرد جميع أحداث السيرة النبوية العطرة المتعلقة بمحاربة التمييز العنصري، لن ينتهي بنا المطاف عند مقال أو اثنين، مما يؤكد جدارة الشريعة الإسلامية بأن تكون المرجع الأول، و المصدر الأساسي لتشريع القوانين الدولية، التي تحقق سعادة البشرية و رقيها الحضاري.